اسس الفنان كاظم فارس مهرجانا مسرحيا مدرسيا خاصا بالمدارس الابتدائية في سبعينات القرن الماضي

عادل علي الحسن

الاستاذ كاظم فارس المولود سنة (1943) أنضم الى الحركة الفنية في مدينة الرفاعي بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة وتعيينه معلماً لمادة التربية الفنية. بدأ نشاطه الفني بتأسيس مسرح خاص به حتى لا يتعارض مع عروض الاستاذ حسيب كاظم , حيث قدم أول عمل مسرحي له بعد أن جمع طاولات لعبة التنس من المدارس القريبة ونصبها في حديقة روضة أطفال الرفاعي (دائرة الماء والمجاري حالياً).

    قدم مسرحية (طبيب بالگوة) المقتبسة من مسرحية (طبيب رغماً عنه) للكاتب الفرنسي المعروف (مولير) والتي مثل فيها الفنان جمال جبار وحمادي محسن  وتميزت عروضه بالمسحة الكوميدية أحياناً لما تتضمنه من النقد الساخر الذي ينسجم مع واقع شخصيته . ولكي يطمئن لاستمرار نتاجاته وتأسيس رؤية تتلائم مع مايطمح اليه باستقلالية وتفرد , عمد الى بناء مسرح خاص به في قاعة مدرسة النور الابتدائية لانه كان معلماً فيها وبتشجيع من المربي الاستاذ عبد الحميد نعمة دبيب مدير المدرسة حيث شغلت تلك البناية فيما بعد ثانوية الرفاعي للبنات . كنت من اوائل الذين تمت دعوتهم للعمل في المسرح الجديد حيث كانت باكورة أعماله مسرحية (ثمن الحرية) للكاتب (عمانوئيل روبنسن) . ولصعوبة تنفيذ العمل من الناحية الانتاجية وصعوبة توفير مستلزماتها المهمة توقفت التدريبات على هذا النص ومن ثم الغاء فكرة انتاجه . وكان ذلك في عام (1972 ) مما استدعى الحال الى اختيار نص اخر هو مسرحية (اللصوص) للكاتب عادل التميمي , وقد عرضت هذه المسرحية الاجتماعية لمدة خمسة أيام  على نفس التقليد السابق  نالت المسرحية أستحسان الجمهور وتم دعوتنا لتقديم العرض في نواحي قلعة سكر والفجر والنصر . وهي من تمثيل , عادل علي الحسن , علي مصطفى حمدان , سليم جبار , خالد مرزوق , كامل كريم , حامد ثامر , واَخرين  . ومما تجدر الاشارة اليه أن الذي بنى هذا المسرح الواسع وبمواصفات أختلفت عن سابقه ونقصد مسرح الاستاذ حسيب كاظم هو الاسطة محمود النجار .  أختلف الاستاذ كاظم فارس عن تقديم ماكان معتاداً عليه في عروض الرائد حسيب كاظم بل عمد الى تقليد اَخر وهو تقديم مسرحية واحدة طويلة في ليلة العرض . وبهذا يكون قد أسس طريقة عرض مختلفة عن المتعارف عليه لجمهور المدينة بما في ذلك الغاء فكرة تقديم الوصلات الغنائية  أثناء العرض الذي أعتاد عليه الناس . وسع الاستاذ كاظم فارس منهاجه الفني فأسس مهرجاناً للمسرح المدرسي خاصاً بالمدارس الابتدائية لعدم وجود مدارس ثانوية للتنافس . فالموجود ثانوية للبنين وأخرى للبنات . هذا أولاً وللاستفادة من أعمار هؤلاء التلاميذ لتطوير ذائقتهم الجمالية ونشر الوعي الفني وأيجاد البديل المستمر للاجيال ثانياً . هذا المهرجان الرائع يقوم هو نفسه بتهيئة النصوص المسرحية وتوزيعها وتدريب التلاميذ عليها لتقدم بعدها العروض على مسرحه وأمام لجنة اختبار كان من ضمنها الرائد الاستاذ حسيب كاظم, وقد سمحت لي اللجنة في حينها أن اتقدم بمنح كأس باسمي لاحسن ممثل واعد ومتميز  والذي اخترته حينها  هو الموهوب سعد كاظم عيسى . هذا المهرجان الفريد والمتميز بنوعيته وفكرته وبهذه المدينة الصغيرة . كان لـ (كاظم فارس) الريادة والسبق فيه وفي تطور نوعية العروض وبروز جيل جديد من الممثلبن اتجهوا لدراسة الفن سواء في معهد أو كلية الفنون الجميلة بعد ذلك ودخول البث التلفزيوني وتحسن طرق المواصلات شجع البعض على ذلك . عمله كمشرف فني  سهل عليه العثور والطلب من أحدى طالبات ثانوية البنات لتأدية دور في احد اعماله فوافقت دون تردد فكانت وكان لهما الريادة في ذلك .  الفنان كاظم فارس تأثر بمنهجي (بريخت)و (ستانسلافسكي) إخراجياً بأختياراته وتأويلاته للنص المسرحي , وهو ممثل متألق برز بعد استدعائه عند تأسيس الفرقة القومية للتمثيل في أواسط سبعينات القرن المنصرم  للعمل فيها حيث نقل خدماته اليها .فأتسعت بذلك وتنوعت نشاطاته بتقديمه للفرقة المذكورة أعمالاً يشار اليها بأعتزاز مثل مسرحية  (نشيد الارض) و (كان ياما كان) للمخرج الكبير قاسم محمد , وقدم للمسرح الاهلي مسرحية (الخيط والعصفور) مع الفنان الكبير خليل الرفاعي وغيرها الكثير . وعمل للتلفزيون مسلسلات مهمة منها مسلسل (الدواسر) و (المقتفي لأمر الله) للمخرج الكبير طارق الحمداني وغيرهـا .               اتسمت فترته بالتنوع والتوسع رغم قصرها لانتقاله للعمل في بغداد كما أسلفنا . أفرز الرائد الاستاذ كاظم فارس طاقات فنية واعدة منها المخرج التلفزيوني حمادي محسن والمخرج التلفزيوني عادل علي الحسن والاستاذ سليم جبار والصيدلاني علي مصطفى حمدان والاستاذ خالد مرزوق والاستاذ حامد ثامر والاستاذ كامل كريم ومن الجيل الشبابي الواعد سعد كاظم عيسى وميثم عبد الحسين.إمتاز فناننا  الرائد بتنوع عروضه المسرحية بين الجاد والهازل , مع ميوله الواضحة نحو الاعمال الكوميدية التي كانت باكورة انتاجه في المدينة . مع أننا نراه أكثر ميلاً للتمثيل ويدل على ذلك ماقدمه ممثلاً على خشبة مسارح بغداد الحكومية منها والاهلية. فمطواعية حركته ورشاقتها ساعدته كثيراً لايصال مايريد ولامتلاكه صوتاً يمتاز بمسحته المحلية الوسطية وانفعالاته المتوازنة ومعرفته الجيدة لماهية الشخصية المناطة به لادائها ففي مسرحية نشيد الارض)و(كان ياماكان) بعض من تلك الاشارات الاستدلالية على موقعه الواضح على خشبة المسرح . ولو أحتسبنا ماقدمه للفرق المسرحية الاهلية لوجدنا فيه الاجادة والصدق والتنوع والابداع . ورأينا في تلك الاعمال نزوعه وميله نحو الاداء الكوميدي الذي ينسجم مع تكويناته الشخصية.عانى ،يرحمه الله،طويلاً من المرض حتى وفاته عام (2009 ).