
![]() |
ومــــن شـــــــــــــــرّ حـاســـــــــــــــــــــد |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
لا أعجب من شيء في هذه البلاد قدر عجبي من نشر وزارة النفط أرقام مبيعاتها كل شهر، وإعلان البنك المركزي قيمة احتياطاته من النقد الأجنبي كل أسبوع! ولا أعلم ما الذي يدعو هذه الجهات أن تصرح بما يدخل خزائنها من المال، وما الذي تهدف إليه من ذلك، سوى الجذل والابتهاج والشعور المبالغ فيه بالنجاح. ولا أظن أن بلداً آخر في العالم، غير العراق، يكشف أوراقه على الملأ بهذه الطريقة. فالدول الأخرى لديها مصادر دخل عديدة، وليس مادة واحدة قابلة للنضوب. لكن تضخم الموارد لديها لا يعني أنها بلغت غاية المنى أو حققت منتهى الأرب. فهي تتعامل بنظام مؤسساتي غير خاضع لتقلبات الأسعار. وتعمل بموجب خطط خمسية أو عشرية للتنمية. ولا تدخل حال الاستنفار حينما تنخفض الأسعار أو ترتفع عن مستواها الطبيعي. ولا أعرف دولة نفطية (أي ذات اقتصاد أحادي) تعلن عن كل برميل سوقته، وتهلل لكل دولار تقاضته. فمثل هذه الأمور لا تحتمل المباهاة، لأنها قوت الملايين من الناس. وليست من شأن المواطن العادي. فالأخير لا يدرك مثلاً أن العقود النفطية لا تبرم بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري. وأن النفوط مختلفة التركيز، متفاوتة القيمة، متباينة السعر، وهكذا. بل إن إعلانها عن ذلك يدل بكل وضوح على الإفلاس. فهي علاوة على ما في عنقها من ديون خارجية وداخلية، تعلن صراحة أن هذا هو كل ما تملك في الدنيا. وأنها عاجزة عن إضافة مصادر دخل، ولو قليلة، إليها. وإذا ما قامت دولة معادية لا سمح الله بعملية صغيرة لإيقاف تدفق الخام، فستقود المجتمع إلى مصير مجهول، كما حدث في العراق خلال عقد التسعينات من القرن الماضي. وقد يتذرع البعض بمبدأ الشفافية. ويحتج أن المواطن هو صاحب الثروة الحقيقي. وهي كلمات حق يراد بها جور. فالشفافية لا تعني كشف الإيرادات، وتعرية ممتلكات الدولة، بل التصريح بوجوه الإنفاق أيضاً. ذلك أن المبالغ المتحصلة من المبيعات تدخل خزانة الدولة دون نقصان، لكنها لا تخرج منها بنفس الطريقة. فتوزيع هذه المبالغ، أو تثبيت مواطن صرفها، هما موضع الشبهة. ويستدعيان الكثير من التمحيص. ولم يحدث مثل هذا في أي سنة من السنين. كما أن كشف هذه الأرقام التي يجهل المواطن العادي كيفية احتسابها، لا يقدم ولا يؤخر. فمثل هذا الأمر هو مسؤولية لجان مالية ورقابية على درجة عالية من الكفاءة. ولا علاقة لها بهذا الطرف أو ذاك. وليس من شأن أحد التدخل في مجال عملها. وليست تابعة لأحزاب أو تيارات معروفة بنهمها الشديد للمال. ربما يعد البعض مثل هذا الموضوع دليلاً على الوضوح الذي يعتمده النظام، والصراحة التي يدير بها فعالياته (ولا يسري هذا على المحافظات الثلاث بالطبع). لكنني أعتقد أن من الصعب على بلد مثل العراق أن يجترح مثل هذه السياسة، وهو عاجز عن تحقيق أدنى حد من التنمية، أو يقترب من الاستغلال الصحيح للثروة. فسياسة مثل هذه لا تنتج سوى المزيد من التراجع والتخلف والفساد. |
المشـاهدات 452 تاريخ الإضافـة 06/06/2022 رقم المحتوى 36045 |