النـص : أجرى اللقاء: علي ناصر الكناني
كانت المصادفة وحدها التي قادتني لالتقي وأتعرف من دون موعد مسبق على الباحث ضامن الدليمي العاشق لبغداد وتراثها وذلك خلال احدى الندوات الثقافية التي يتواصل اقامتها في نادي الصيد و(ضامن) هو نجل الطيار الخاص للعائلة المالكة في خمسينات القرن الماضي العقيد الطيار عبد الحميد الدليمي الذي ذكر لنا انه كان آمراً للرف الملكي عام 1954.
سألناه في البداية ان يعطينا فكرة عن جوانب يتذكرها من مسيرة والده الحياتية والعملية فقال:
ولد والدي المرحوم العقيد الطيار عبد الحميد الدليمي عام 1914 في كرخ بغداد في منطقة (التاجي) حيث كان والده اي جدي يعمل في مجال الزراعة. وبعد ان اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية في منطقة الكرخ، دخل بعد ذلك الى الكلية العسكرية وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ عام 1937 ضمن الدورة (16) ثم دخل مدرسة القوة الجوية الملكية العراقية وتخرج فيها ايضاً بصفة ضابط طيار حربي على طائرة (الهوكر هنتر) عام 1939 وقد كان متفوقاً على اقرانه في مجال الطيران. ويواصل الباحث ضامن حديثه الشيق في رحلة الاستذكار هذه عن والده قائلاً:كان والدي من السباحين الماهرين آنذاك، ويهوى ركوب الخيول الأصيلة، وقد أختير فيما بعد لمنصب آمر مدرسة صنائع القوة الجوية ثم آمرا لقاعدة الرشيد الجوية. وبعد ذلك وقع الاختيار عليه ليشغل منصب آمر للسرب - في الرف الملكي الذي كان مقره في معسكر الرشيد.
*(سن الذبان)
ومعارك فلسطين..
هل لنا ان نتعرف على جانب من الاحداث التي شارك فيها والدكم آنذاك ؟
لقد شارك والدي في العديد من الاحداث والمعارك التي عصفت بالبلاد ومنها معركة (سن الذبان) قرب مدينة الفلوجة ضد القوات الانكليزية في ذلك الوقت، كما شارك مع الضباط الاحرار عام 1941 في حركة رشيد عالي الگيلاني مما تسبب في معاقبته من قبل السلطات الحاكمة آنذاك بإحالته على قائمة (نصف الراتب) وفي عام 1948 شارك في حرب فلسطين بصفة ضابط ارتباط في منطقة جنين مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الى جانب مشاركته في معارك تحرير جنين واعادتها الى فلسطين.
*ماذا عن علاقته بالعائلة المالكة في ذلك الوقت؟
- ذكر والدي لنا بانه كانت تربطه علاقة طيبة مع العائلة المالكة ومن بينهم الوصي عبد الاله، الذي كان ميالاً لتربية الخيول ايضاً واشراكها في السباقات التي كانت تجري في (مضمار المنصور) حيث كان يجلس معه في المقصورة المخصصة له لمتابعة السباق.وفي احدى السباقات تعثر الحصان الخاص بوالدي ما أدى الى كسر ساقه مما دفع الوصي لتعويضه بحصان آخر. وغالباً ما كان يرافقه في سيارته الخاصة (هنتر أو جكوار) المكشوفة ذات اللون الحني الغامق التي كان يقودها بنفسه. وفي احدى المناسبات التي كانت تقام في قصر الزهور الملكي عام 1942 وخلال حفل عشاء خاص حضره الوصي عبد الاله والملك فيصل الثاني الذي كان عمره آنذاك لا يتجاوز السابعة لكونه من مواليد2/5/ 1935 وكان من بين الحضور ايضاً المرافق الخاص للملك عبيد عبد الله المضايفي الذي كان يسكن في منطقة بارك السعدون. وكان لدى الملك ايضاً سيارة نوع (هنتر) انكليزية اهداها له الملك حسين بن طلال ملك الاردن في ذلك الوقت.
مواد غذائية
لمنكوبي الفيضان
وهنا سألت الباحث ضامن ان يحدثني عن جوانب واحداث اخرى شارك فيها والده فقال:عندما غرقت الفلوجة بمياه الفرات بسبب الفيضان عام 1945 كان والدي يقوم بحملة كبيرة لايصال المواد والمؤن للأهالي بواسطة الطائرة التي كان يقوم بالتحليق فيها على ارتفاع منخفض مما ادى الى اصطدام مروحة الطائرة بأحد اعمدة الكهرباء العالية وسقوطها على الأرض، أصيب على إثرها بجروح وكدمات في ساقه وقد نجا باعجوبة من الموت. مما دفع عشائر المنطقة وسكانها بنحر الذبائح تيمناً بسلامته. ومن المواقف والاحداث الطريفة التي ذكرها لنا الباحث (ضامن الدليمي )عن والده انه كان يذهب الى بعض اقاربه في منطقة التاجي بالطائرة لتناول طعام الغذاء، بعد التحليق فوق اراضيهم الزراعية لينزل بها بطريقة (الكراش) في الساحات الفارغة منها. وفي أثناء العودة ثانية يطلب من الموجودين هناك بالقيام بدفعه لمسافة معينة حتى يتم تشغيلها والاقلاع بها وقد عرف عنه خبرته ومهارته الجيدة في الطيران ومن بين المجازفات التي كان يقوم بها اثناء التحليق في الجو، المرور من تحت الجسر والقيام بحركات مختلفة أثناء الطيران.وفي عام 1956 أحيل على التقاعد ليتفرغ لحياته العائلية والخاصة، وفي عام 1972 توفاه الأجل المحتوم إثر مرض عضال.
*خريج علم النفس
وهاوٍ للـــــتراث
ومن الجدير بالذكر ان الباحث ضامن الدليمي الحاصل على شهادة الماجستير في علم النفس السايكولوجي منذ عام 1981 له الكثير من الاهتمامات والهوايات الفنية الاخرى في مجال التصوير الفوتوغرافي والخط العربي والزخرفة من خلال دورات عديدة انتسب اليها في معهد التراث الشعبي اضافة الى هواياته الاخرى في كتابة الشعر بنوعيه الشعبي والفصيح ويطمح الى نشر اشعاره وكتاباته المختلفة في كتاب والتي ما زال ينشر بعضها في الصحف والمجلات المحلية. اضافة الى قيامه باقامة معارض فنية خاصة بالفن التشكيلي في الجامعة المستنصرية الى جانب مشاركاته في المهرجانات الشعرية والخطابية التي كانت تقام آنذاك.
*صور.. ووثائق
قديمة نادرة..!
وماذا عن اهتمامك بالفوتوغراف والجوانب التوثيقية؟
- استطعت خلال فترات متباعدة جمع اعداد كبيرة من الوثائق والصور الفوتوغرافية القديمة، التي تخص عاصمتنا (بغداد) اضافة الى ما كنت اقوم به بتصويره بعدستي وكاميرتي في تناول موضوعات وجوانب مختلفة من تراثنا وحياتنا اليومية وبهذه المناسبة اتمنى ان تقوم الجهات المعنية بانشاء معهد تراثي يدرس فيه الطلبة بعد مرحلة الدراسة المتوسطة او الاعدادية مأثورات وفولكلور وتراث المدن العراقية خاصة ببغداد التي انطلقت منها حكايات الف ليلة وليلة.
|