السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
07901195815-07707011113    albaynanew@yahoo.com
جريدة يومية سياسية عامة مستقلة
لا ترتبط بحزب أو حركة أو جهة دينية أو سياسية
صاحب الإمتياز
ورئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
قراءة في رواية (جئت متأخراً ) للروائي علي الحديثي .. له أَم عليه حين نجد سيرة حياة الكاتب أو نتفا منها في الرواية؟
قراءة في رواية (جئت متأخراً ) للروائي علي الحديثي .. له أَم عليه حين نجد سيرة حياة الكاتب أو نتفا منها في الرواية؟
ثقافية
أضيف بواسـطة albayyna
الكاتب
النـص :

عزيز الشعباني

لا أملك الوعي النقدي الكافي لأجيب عن هكذا سؤال، ولا أنتم، لكنني لم أقرأ لغاية الآن رأيًا نقديًا جازمًا يعيبها، قلت لم أقرأ لم أقل لم أسمع، لأن آراءً شفاهية كثيرة أسمعها من الأصدقاء، متعسفة شيئًا ما حين يقولون: «هذه الرواية مجرد سيرة ذاتية لحياة الكاتب!» يحضرني قول للكاتب الأمريكي العبقري توماس وولف مخاطبًا أحد كتّاب السيرة: «لماذا تلاحقني؟ إقرأ رواياتي الثلاث تجدني فيها».بالمثل صرّحتْ العظيمة فرجينيا وولف عن خرزات حياتها المتناثرة في نصوصها، كذلك آرثر مولر، والأمثلة تطول، لكنني أختمها بقول ستيفان سفايج عن ديستويفسكي: كل أبطاله يحملون جينات من ديستويفسكي.هذا كل ما فعله علي الحديثي في روايته «جئت متأخرًا» وربما في كل رواياته، سطّر ألواح الحقيقة ودهنها برهام الخيال، لكن الخيال هنا لا يخترع تفاصيل غير قائمة، يقول الكاتب فيديريكو جانمير في روايته «أخفّ من الهواء»: «دور الخيال تكميلي فقط، الخيال يملأ ويكمل ويغذي فقر الواقع» (جئت متأخرًا) عنوان يشكل محض علامة دلالية متخيلة، أوجدها الروائي للتعبير عن بوهيمية ما يجثم في صدور شخصياته، من دوافع وهواجس وتوق مخفي للحرية، لكنه لم يسيطر عليها ولم يخضعها لمنطقه العقلي، أو اللا عقلي بالأحرى، وقد نجح الحديثي في تذويب هذه العبارة، والتي هي العنوان، داخل نسيجه الحكائي، ومن ثم اخراجه بصور لغوية متعددة، للتعبير عن مضمون اشاري واحد، وهو بالمطلق يقظته المتأخرة غير المكتملة برأيي.إذْ يمكن تلخيص الموضوع الأساسي للرواية بأنه قضية تحرر بالمقام الأول، والاشتغال على التمركز النفسي، لكونه عاش حقبة ليست قليلة تحت سيطرة الأفكار الدينية، لدرجة ان الروائي علي الحديثي اعتمر العمامة واعتلى المنبر في بواكير شبابه، فكانت معاناته مضاعفة.يكتب علي عن نفسه في هذه الرواية، كما في رواياته الأخرى، لأنه لا يعرف أكثر منها، ولم ير شيئًا آخر.أبطال روايته، أو رواياته، أيضًا جاءوا متأخرين، يخافون من العقاب إنْ قاربوا الحب، يعتبرونه عملًا ماجنًا يرميهم في النار.الحرمان أو عطش المشاعر يلاحقنا طيلة صفحات الرواية.في الرواية ليس ثمة فواصل بين المتخيل السردي والسيرة الذاتية، فهو يقترض من يومياته الكثير، تسرّب إلى أعماله أجزاء كثيرة من حياته ذاتها، فالمعاناة ممكنة، وسوف تتكرر ما دامت الطوباوية مستمرة بخطابها المرتجف، ينكمش البطل بينما أسوار الأفكار الصارمة تعلو وتتضخم.يصور الحديثي مشاهد ملتقطة من يوميات الحرب والحصار، كدلالات زمنية لمفردات حياته، السرد عنده نفسه تصيبه عدوى الخوف والحلم بالحرية، فالسارد في جئت متأخرًا ليس واحدًا، بل هو يختفي في صدور كل شخصياته، كأنا متشظية، يحتفي بالتفاصيل بشكل لافت، كناسج يلتقي ببعضه ويتقاطع. يريد الروائي أن يرينا نشارة الحديد الموجودة في رأس كل فرد من أفراده، ثمة حديدة في رأس كل انسان، هذا بعض ثمار الافكار المنغلقة.اسلوب سرد يشتمل على اشارات بليغة لأحداث لن تسقط من الذاكرة الانسانية، لكني أشكل عليه في انه لم يوفّق في استكناه دواخل شخصياته، لم يكشف الخوف الذي يسكنهم، حذرهم من الآخر، أحلامهم المقموعة، لكن الجميل هو تطويع الكاتب للغة نفسه ولفاعليتها السردية، وصفًا وحوارًا، ومزجه الذكي لسيرته بخياله، مع ذلك وقع في بئر البلاهة حين احتفظ ببعض المسميات كما في الحقيقة.بالمجمل رواية مكتوبة من أجل الحرية، حرية الفكر أقصد، لفضاء انساني أوسع.
 

المشـاهدات 66   تاريخ الإضافـة 26/03/2023   رقم المحتوى 41515
أضف تقييـم