الخميس 2023/12/7 توقيـت بغداد
07901195815-07707011113    albaynanew@yahoo.com
جريدة يومية سياسية عامة مستقلة
لا ترتبط بحزب أو حركة أو جهة دينية أو سياسية
صاحب الإمتياز
ورئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
الايقاع المتناغم في شخصيّة الفنان ناصر حسن
الايقاع المتناغم في شخصيّة الفنان ناصر حسن
فنية
أضيف بواسـطة albayyna
الكاتب
النـص :

سالم شدهان  
غالبا ما نرى منه حكايات وأحاديث وحوارات مع المدى تتوالد وتتنوع وتتوزّع هنا وهناك, وهو يسير أو جالس , أو ينظر إلى صور لا يراها إلا هو, أحيانا أحاول أن اتابع نظراته فلا أجد لها حد, ولا سد, ولا مانع ولا .., لكني ارى فيها معان ودلالات كثيرة كبيرة تتأرجح مابين الحزن والفرح, مابين الطموح والجنوح, مابين الأمل والأمل, ما بين الوطن والوطن.. لا أسمع له صوتا ولكني استشعره فأنا غالبا ما أراقبه بصمت وأحاول جاهدا أن لا أجعله يشعر بنظراتي له رغم انه ليس ممّن يحاسب احدا على نظراته, وليس ممن يمتنع من أفعاله المادّية والحسّية والشعورية اكراما لأحد, حتى لو كان من أقرب الناس اليه.. انه ناصر حسن, الرجل الفنّان في كلّ شيء, هو الشخصيّة التي نظلمها كثيرا لو وضعنا لها انتماء عرقي أو قومي أو ديني أو ..لكننا ننصفه حقا اذا قلنا انه الفنّان ناصر حسن, أو قلنا المتناغم ايقاعيّا, والايقاع هنا يأتي من كل شيء فيه, من مشيته وتتابع خطاه المتّزنة والواثقة, من ركلها للمساحة الأرضية التي تسكن أسفلها, من التكوين الذي ترسمه قدمه ثم اليسرى, من عينيه التي لا تفارق الطريق إلا للبحث عن فسحة أو صورة أو تكوين, أو لون, أو أمل منشود.. والعجيب ان نظراته ذاتها لا تتغيّر وكأنها تبغي أن تعاكس الموناليزا في شكلها لكنها تماثلها في الدلالة وقد تتفوّق عليها لأنها أيضا تنتمي الى رسام, بل رسام ماهر, وسينمائي وكاتب ومفكّر وانسان يمنح الاشياء استحقاقاتها ويزيد عليها من عنديّاته الكثير, هو نوع نادر, هو الرجل الفنّان, هاديء في طبعه من الخارج, لكنه يعيش ثورة عارمة من الداخل ويتمثل هذا في خطاه التي تتسابق في تناسقها وتناغمها وقياسها الثابت حتى تكاد ان تتطابق تماما ولا يتغلب بعضها على بعض الاّ حينما تستعجل للقاء صديق او أخ أو حبيب, وأقول حبيب لأن هذا الفنّان يمتلك قلبا نابضا لا يستطيع الاّ أن يحب ولحد العشق, وعشقه مدمّر لأن بعضه لا يستطيع أن يفصح عنه لكنّني خاويت جنّا ازرق فأفصح لي عن هذا السر العجيب, هو يرسم خطاها على شكل تكوين سينمائي, فهو الممثل الذي يتحرك على المسرح وفق ميزان ذهبي, ممثلا كان أم مخرجا, وهو المخرج الذي يعنى كثيرا بالميزان سين, وكل شيء لديه موزونا بدقّة متناهية وهذا ما لمسناه في( كركوك 4) المسلسل الذي استطاع من خلاله ان يبني فكرا وطنيا انسانيا حاباه عليه الكثير واعترض البعض وصفق له كل انساني وفنان, فقد اهتم فيه ناصر بالمكان وقيمته الدلالية التي لم تتخلّى عن واقعية الحدث, المسلسل الذي حاول على مدى 120 حلقة ان يتجول في بغداد وكركوك والبصرة واربيل والسليمانية ودهوك والناصرية وديالى كي يعلن عن خطابه الإنساني ويبتعد عن الشوفينية والطائفية والعنصرية ذاك لأنه مفكر وانسان وفنان حقيقي, اذ تجوّل في الامكنة وأعلن من خلال تجواله بأن المكان والجغرافيا في خدمة الانسانية, وهي لا تعني شيئا أمام العين التي لاترى الاّ نفسها لكنها  تعني الكثير أمام عين كعين ناصر التي تقرأ الممحي, بل هي تؤمن دائما بأن ليس هناك شيء اسمه ممحي, فالممحي لعبة ابتكرها المتخاذلون والفشلة, والممحي يتلاشى تماما أمام كل فنان حقيقي بل اني أكاد أجزم بأن واحدة من أهم أدوات الفنان هي انه يجيد قراءة الممحي اجادة تامة. ناصر حسن الذي لم يترك شأنا يخص الصورة الاّ ويبحث فيه ويستخلص منه عسلا خالصا, لأنه فراشة ترفة جميلة المنظر لا تصدر صوتا الاّ رفيف الاجنحة الترفة التي تتغازل فيها الالوان وترتشف من الورد رحيقها وتكتسب من الورد لونها, هو وثائقي ملتصق بالوثيقة لكنه لا ينسى انه سينمائي والحقيقة الوحيدة المطلقة هي انه فنان, كذلك فهو روائي الى درجة انه يمتعك وكأنه يقرا بلغتك وبصوتك ويعزف لك لحنك المفضل, ذلك لأنه صال وجال في المسرح والسينما والتلفزيون, وهو نتاج الحياة البغدادية والاربيلية والبابلية و لأنه ابن السهل والجبل والوادي, هو لا تحده خارطة حتى لو رسمها وحدّدها افلاطون, وهو لا يمزح دون ان يضحكك من كل قلبك ولا يحزن دون ان يبكيك ذلك البكاء الجميل الذي يعود بك الى اصالة الدمعة الحقيقية والضحكة الاكثر حقيقة.
قرأت يوما انه تعرّض الى محاولة اغتيال فضحكت كثيرا وكانت بالنسبة لي مزحة سمجة لأن الرجل شفافا الى درجة ان الطلقة والسهم والسيف لا تمضي به حتى لو اخترقته وقد تترك اثرا لكنها لن تكون قاتلة ابدا فمثل ناصر لا يموت إلا بسيف بروتوس الشكسبيري.. وقرأت يوما خبر مفاده ان الفنان ناصر حسن عليل يشكو ألام حادة فتعجّبت من قساوة هذه الالام التي لا تمتلك قلبا ولا رحمة فمثل ناصر من المعيب ان تزوره الالام وعليها أن تخجل من نفسها قليلا.. وشاهدت ناصرا ينفث دخانا كثيفا من سيكاره عجيب نارها متوجّرة لكنها لم تنتهي الى درجة اني يأست ومللت من الانتظار فتركت المكان خاسرا والخسارة أمام هذا الخلق الانساني الفنّي فيه من الربح الكثير.. وأتذكر اني سمعت ان الفنان ناصر حسن يجلس في مكان انيق برفقة احبته وزملائه اسمه اتحاد الاذاعيين والسينمائيين فسارعت ان اكون معه وبعد فترة وجيزة استلمت الهوية التي يزيّنها توقيعه الانيق وطالما فخرت بها لكن بي طبع انّي افقد معظم الاشياء التي احبّها وكأنها لعنة فأساءني كثيرا يوم فقدتها.وشاكسته كثيرا لكنه لم يشعرني بأن مشاكستي له تركت اثرا لا ايجابيا ولا سلبيا وكأنني اشاكس نفسي فبطّلت المشاكسة واكتفيت بمراقبته وهو يخرج من دائرة الاذاعة والتلفزيون برفقة نفسه لأنه صديق لنفسه قبل ان يكون صديقا لأي كان..هو ممثل ومخرج ومدير انتاج وكاتب سيناريو ومتحدث لا تمل حديثه لأنه لا يمتك مفردات دخيلة ولا يتلون بل انه يحمل صفة تلازمه في الحياة وفي اعماله التلفزيونية والسينمائية هي انه يدخل الى الموضوع بسلاسة يكشف من خلالها عن جمال الجميل وقباحة القبيح دون خجل أو ملل ذاك لأنه يحسن التشخيص والتدقيق والملاحظة وهذه صفة من صفات الفنان الحقيقي الصادق مع نفسه أولا والرسام الذي يكسب اللوحة الالوان التي تليق بها وتكشف عن سر جمالها وسحرها.
ولد الفنان ناصر حسن في خانقين 1944 وتخرج في معهد الفنون الجميلة عام 1972 , تجوّل في العراق وعمل  في برامج المنوعات والدراما السينمائية والتلفزيونية وتبوأ الكثير من المناصب الادارية المهمة لكنه لم يطيل فيها لأنه يعشق الطبيعة ولا يحب الاماكن المغلقة لهذا نراها تجول كثيرا برفقة الكاميرا السينمائية 35 ملم كي يصنع مسلسل (ممي الان), كذاك كان في مسلسل (كركوك فور), وساهم في تأسيس كثير من القنوات الفضائية, واكتشف الكثير من الفنانين تمثيلا واخراجا وأقام دورات فنية كثيرة وفوق هذا وذاك هو ناصر حسن.. الايقاع المتناغم

المشـاهدات 96   تاريخ الإضافـة 14/08/2023   رقم المحتوى 41868
أضف تقييـم