النـص : أ.د. صلاح رشيد الصالحي
يتصف العراقي القديم بالتدين الشديد لهذا اغلب الآثار المكتشفة في العراق القديم لها طابع ديني فقد شيد الزقورات العالية في المدن الكبرى فعند نزول الإله من السماء يكون في حالة تعب عندها يستريح في غرفة شيدت في أعلى الزقورة كما أن الكثير من المدن في جنوب العراق هي مدن مقدسة مثل الإله سين (إله القمر) ومعبده وزقورته في مدينة أور وآنو (إله السماء وأبو الآلهة) ومعه إنانا (عشتار) (سيدة السماء) ومعابدهم في مدينة اوروك (الوركاء) وانليل (إله الجو والمسؤول عن تعيين الملوك أو خلعهم) في مدينة نفر وأوتو (شمش) (وهو إله العدالة والحق) في مدن سـﭘار ولارسا ايضا ونينكرسو (إله الحرب) في مدينة جرسو و ننورتا في مدينة نيبور ونابو (إله الحكمة) في مدينة بورسبا ومردوخ في بابل وآشور في مدينة آشور ..الخ. وحتى القرى فيها مزارات للآلهة وكان لكل إله مهرجان ديني خاص به وفق مواعيد ثابته حفظها الناس وشاركوا في احيائها لذلك كان الرجال والنساء والاطفال يشدون الرحال مشيا أو على ظهور الحمير أو فوق العربات التي تجرها الثيران لحضور الاحتفالات وعيونهم شاخصة لترى الزقورة المعلم الوحيد العالي الذي يرى من مسافة اميال وقلوبهم تخفق لملاقاة الإله وعندما يصل الزائر إلى المعبد اذا كان باب المدخل من الأمام فستكون غرفة الإله (الخلوة) أمامه مباشرة وإذا كانت باب المدخل جانبية فسوف يدخل ويستدير بزاوية (90)درجة ليشاهد الخلوة أمامه، وتكون الاضاءة المعبد من خلال عدد من الفتحات الدائرية الصغيرة في اعلى الجدار قريبة من السقف (ولا زالت تستعمل هذه الفتحات في اكواخ الطين في جنوب العراق)، والهدف منها دخول الضوء وتغير الهواء وحتما يكون الضوء الداخل للمعبد خافت فيثير الرهبة في قلب المتعبد وهو يسمع تراتيل الكهنة تارة بصوت عالي وتارة اخرى همهمات خافته وهناك من يجلس مع كاهن يحدثه عن طالعه ومستقبله وهناك كاهن آخر يطلق عليه كالو (kalû) (الرادود) يقرا ابيات حزن للإله وتمجيده وحوله يجلس الزوار من النساء والرجال والاطفال في حالة بكاء ونحيب وتنتشر في المعبد رائحة البخور وما أكثر الهموم والأمراض التي يحملها الناس على اكتافهم عند دخولهم المعبد فحتما هذا المتعبد سيأخذه البكاء ومن ثم افراغ الهموم بالقرب من باب الخلوة (غرفة الإله) فلا يحق للناس ان يشاهدوا تمثال الإله (فقط في عيد رأس السنة البابلية وانها فرحة لا توصف)، وبعد هدوء المتعبد يأخذ بنصيحة الكاهن بان يتبرع للمعبد (بيت الإله) بما يملك من فضة إذا كان تاجرا أو شعير إذا كان فلاحا أو سمك إذا كان صائد اسماك...الخ وإذا كان فقيرا معدما لا يملك شيئا فعليه الخروج من المعبد والانتظار حتى يحصل على وجبة طعام مجانية أو قطعة لحم من الموائد الاحتفالية لان الإله يحب عباده المخلصين.
* تخصص تاريخ قديم
|